في هذه التدوينة أربع مقالات عن الهوية المصرية ولكل وجهة نظر مؤيد ومعارض…
(1)
http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=98713
المشهد اللغوى لثورة 25 يناير
المصدر: المصريون (جريدة يومية مستقلة)
بقلم: مديحة السايح (كلية دار العلوم)
بالنظر إلى واقع اللغة العربية فى مصر بعد الثورة نجد أن ثورة 25 يناير 2011 مثلما كشفت الغطاء عن المستويات الهائلة من الفساد الذى كانت تغرق فيه مصر فى العهد السابق فقد كشفت هذه الثورة الغطاء أيضًا عن الفساد الهائل فى اللسان العربى على ألسنة المصريين، وعن فقدان الإنسان المصرى قدرته البيانية باللغة العربية الفصحى.
لقد كان مشهد الثورة كله مشهدًا سياسيا اجتماعيًا بالدرجة الأولى، مما كان يقتضى خطابًا تكون فيه اللغة العربية الفصيحة حاضرة فيه بشكل ما. لكن المشهد اللغوى لهذه الثورة، فى امتدادها المكانى عبر رقعة الوطن كله والزمانى منذ 25 يناير حتى الآن، وفى كل فعالياتها من خطب ولافتات وأشعار وحوارات على الفضائيات وعلى شبكة الإنترنت؛ قد شهد غيابًا شبه كامل للغة العربية الفصيحة.
وقد تجلى ذلك فى عدة مظاهر:
-يذكر –أول ما يذكر- الخطأ اللغوى الشهير فى خطاب التنحى الذى ألقاه اللواء عمر سليمان حين ختمه بقوله ” والله الموفَّق” بفتح القاف وليس كسرها، أى اسم مفعول وليس اسم فاعل!!.
-الخطاب السياسى لكل المسئولين بعد الثورة، مثل الفريق أحمد شفيق والدكتور عصام شرف رئيسى الوزراء السابقَيْن كان بالعامية. وحتى الخطاب الموجز والمحدد والمنظم والمتفائل للمشير حسين طنطاوى، الذى وجهه لقادة وضباط الشرطة يوم الاثنين 16/5/2011، كان باللغة العامية، والمفترض أنه خطاب رسمى من المسئول الأول فى الدولة الآن، فكان لابد أن يكون باللغة العربية الفصحى، لغة الدولة الرسمية بنص الدستور.
-فى قلب ميدان التحرير كانت اللافتات فى معظمها مكتوبة باللغة العامية. من التعبيرات القليلة التى كتبت بالفصحى كلمة ” ارحل” وإن كانت قد كتبت بهمزة القطع” إرحل” لا الوصل. ومنها أيضًا لافتة حملها أحد المتظاهرين يوم جمعة التنحى مكتوب عليها: “عفوًا سيادة الرئيس، لقد نفد رصيدكم”. وإذا كان الطبيعى أن تكون الهتافات فى ثورة شعبية كالثورة المصرية بالعامية فإنه من غير الطبيعى أن تكون اللافتات مكتوبة بالعامية، خاصة أن معظم المتظاهرين من الشباب الذين قضوا من أعمارهم 12 سنة على الأقل فى التعليم، أى أنهم – من المفترض- يجيدون كتابة اللغة العربية الفصيحة.
-أما الأشعار فقد كانت فى معظمها بالعامية، مع بعض الاستثناء مثل الشاعر عبد الرحمن يوسف، ومثل فتاة ألقت قصيدة ” لاتصالح” لأمل دنقل من على السور بجوار مسجد عمر مكرم يوم الثلاثاء 8 فبراير. صحيح أن للشعر العامى جماله وتأثيره، خاصة فى مثل هذه الأجواء الثورية الشعبية العامة لكن اللافت للنظر انحسار وضعف ملكة الشعر الفصيح فى مثل هذه المناسبة التى تستجيب لها قرائح شعراء الفصحى فى العادة بقوة أيضًا.
-أما بيانات الثورة فقد كان بعضها يتلى بلغة فصحى تفتقد غالبًا للسلامة اللغوية.
-الحملات الشبابية التى أطلقت بعد الثورة لنظافة الشوارع وإعادة بناء مصر كانت كلها بالعامية، مثل: “يلا نبنى مصر”،” علشان بلدنا” وحتى إعلانات “جمعية رسالة” فى الشوارع كتبت باللغة العامية. وقد قرأت دعوة مكتوبة كلها بالعامية من مجموعة ” فى حب مصر” جاء فيها تحت عنوان: بلدنا نظيفة جميلة متطورة: إحنا يا جماعة عاملين الحملة دى لإعادة إعمار مصر، وإن شاء الله هدفنا إننا نخلى مصر بالبلدى كده حتة من أوروبا… محدش فينا هيسرق محدش فينا هيكسر إشارة…..” إلخ.وقد قام الأستاذ فهمى هويدى بإعادة صياغة هذه الدعوة بالفصحى فى إحدى مقالاته، فى سياق ثنائه على الروح الجديدة التى سرت فى شبابنا بعد الثورة.
لقد كان هذا العجز الغالب على ألسنة المصريين وأقلامهم عن الأداء العربى الفصيح أحد الثمار المرة لفساد الأنظمة السياسية الحاكمة فى مصر طيلة العقود الماضية. تلك الأنظمة التى حَقَّرت من شأن اللغة العربية فى كل مجالات الحياة المصرية؛ فى التعليم والفن والإعلام والحياة العامة، فى الوقت الذى عظَّمت فيه من شأن اللغات الأجنبية والثقافة الأجنبية على حساب لغة الدولة الرسمية ومن ورائها ثقافتها وهويتها.
—————————————————————————–
(2)
http://civicegypt.org/?p=33514
طبقات الهوية المصرية
المصدر: حركة مصر المدنية (مدونة)
بقلم: مؤمن سلام
كيميت Kemet الاسم القديم لمصر ويعنى الأرض السوداء. في إشارة للون أرضها الخصبة التى تحمل الخير للإنسان المصري. ويبدوا أن الهوية المصرية أريد لها أن تكون مثل الأرض طبقات متعاقبة متراكمة لتنتج في النهاية هذا الإنسان المصري بهويته المصرية المتفردة. ليشكل المصريين الأمة المصرية على أرض مصر، أقدم دولة مركزية عرفها التاريخ على نفس قطعة الأرض منذ أكثر من 7000 سنة.
من الغريب أن أمة بهذه المواصفات مازالت تبحث عن هويتها حتى اليوم. هناك من يريدها عربية وهناك من يريدها إسلامية وهناك من يريدها متوسطية وفى الحقيقة هي مصرية. نحن أقدم أمة في التاريخ لنا خصوصيتنا فكيف نصبح جزء من أمم أحدث منا واقل حضارة وتاريخ وتختلف عنا في كل الخصائص الحضارية؟
عندما أقول ذلك فأنا لا أدعو إلى عنصرية أو نازية مصرية ولكن إلى أن نعود إلى هويتنا المصرية التى حسمها آباءنا أوائل القرن العشرين وانطلقوا في بناء مصر الحديثة ليلحقوا بركب الحضارة الإنسانية. ولكن تحدث الانتكاسة مع انقلاب يوليو 1952 ويعود سؤال الهوية من جديد بدفع مصر والمصريين إلى أسطورة الأمة العربية ومحاولة تطويع الهوية المصرية لتصبح هوية عربية. ثم تنهار التجربة الناصرية بهزيمة 1967 ويظهر الإسلام السياسي مرة أخرى على السطح، وتدفع الهوية المصرية الثمن مع إعلان الإسلامجية أن مصر ليست عربية ولا مصرية ولكن إسلامية. ولازالت الأمة المصرية في هذا الجدل القاتل الذي يعطل النهضة المصرية لتستعيد مكانها الطبيعي في مقدمة دول العالم.
الأمة المصرية لها مكونتها وطبقاتها الخاصة مثل الأرض تماما. فطبقات الهوية المصرية بالطبقة المصرية القديمة التى تعرف بين العامة بالمرحلة الفرعونية، وهى أصل الأمة المصرية وبذرتها التى نمت منها، واكتسبت اسمها وتميزها منها، بكل ما تحمله هذه الفترة من عظمة وتقدم علمي وهندسي وفلكي وطبي وعسكري، قام به أجدادنا مينا ورمسيس وأحمس وحتشبسوت ونفرتيتي وغيرهم من فراعنة مصر العظام.
ثم تأتى الطبقة الثانية لهوية مصر وشخصية الأمة المصرية وهى الطبقة البطلميه التى اختلطت فيها حضارة اليونان بحضارة مصر القديمة، لتصبح مصر وعاصمتها الجديدة الإسكندرية مركز إشعاع علمي وفلسفي للعالم كله. وتظل مصر أحد أكبر دول العالم فى ظل حكامها العظام بطليموس وكليوباترا.
أما الطبقة الثالثة فتبدأ بغزو الرومان واحتلالهم لمصر ثم دخول المسيحية، لتشهد مصر التطور الثالث فى شخصيتها القومية وتحمل من روح المسيحية الثبات على الفكرة والاستشهاد فى سبيلها وتحمل الاضطهاد دون تراجع أو استسلام.
وتبدأ الطبقة الرابعة من طبقات الهوية المصرية مع قدوم العرب المسلمين إلى مصر، فيطردوا الرومان ويتولوا حكم مصر وضمها إلى الإمبراطورية العربية الإسلامية لتقدم مصر إسهاماتها في الحضارة العربية الإسلامية بعد اعتناق المصريين للإسلام في القرن الثالث الهجري.
وأخر الطبقات كانت مع تولى محمد على لحكم مصر وتبدأ مصر في الخروج من ظلمات عصر المماليك وتدخل في العصر الحديث بعد الصدمة الحضارية التى أحدثتها الحملة الفرنسية، لتعود مصر تدريجيا إلى الاستقلال حتى تنفصل تماما عن الإمبراطورية العثمانية، وتعود إلى أصلها أمة مصرية مستقلة عن باقي الأمم، دولة حديثة تأخذ طريقها نحو التقدم.
هذه هي طبقات الهوية المصرية فنحن فراعنة، بطالمة، مسيحيين، عرب مسلمين، حداثيين. من يحاول إزالة طبقة من هذه الطبقات أو أن يقصر الهوية المصرية على أحد هذه الطبقات أو يخرجنا من العصر الحديث ليعود بنا للعيش داخل أحد هذه الطبقات، فهو فى الحقيقة يدمر الهوية المصرية ويسعى فى خراب مصر. نحن أمة مصرية واحدة تكونت عبر 7000 سنة من الحضارة وتأثرت بكثير من المؤثرات الحضارية حتى كانت الشخصية المصرية الحالية بعاداتها وتقاليدها ولغتها ونمط حياتها بكل ما فيها من ايجابيات نسعى لتنميتها وسلبيات نسعى لمعالجتها أو التخلص منها، ولكن يظل كل هذا فى إطار الهوية المصرية.
عاشت مصر وعاشت الأمة المصرية.
—————————————————————————–
(3)
http://kelmet-7a2-ayman.blogspot.com/2012/04/blog-post_26.html#.UTHO0KLrwpZ
الهوية المصرية بين أوهام الهوية العربية وأوهام الهوية الإسلامية
المصدر: كلمة حق (مدونة)
بقلم: د. أيمن أحمد
دائماً أسأل نفسي ما هى هويتنا؟ هل هى الهوية المصرية؟ أم الهوية العربية؟ أم الهوية الإسلامية؟
أولاً لزاماً علينا أن نُعرف ما هى الهوية؟
الهوية هى مجمل السمات التي تميـّز شيئا عن غيره أو شخصا عن غيره أو مجموعة عن غيرها. كلّ منها يحمل عدة عناصر في هويته. عناصر الهوية هي شيء متحرك ديناميكي يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها في مرحلة معينة وبعضها الآخر في مرحلة أخرى. الهوية الوطنية هى ثقافة و طريقة تفكير و تاريخ مشترك لمجموعة من البشر.
هناك روافد كثيرة تؤثر فى نهر الهوية أهمها الثقافة و التاريخ و اللغة و الدين. و تأثير هذه الروافد اختلف على مر العصور فكان هناك عصر كان التأثير الأكبر فيه هو للدين على الهوية كعصور أوروبا المسيحية أو الخلافة الإسلامية ثم انتهى هذا العصر و طواه الزمن و جاء عصر كان التأثير الأكبر فيه هو اللغة كشعارات العروبة أو محاولات تجمع الدول الناطقة بالإسبانية أو البرتغالية أو الإنجليزية أو الفرنسية فى العالم و قد طوى الدهر هذه الأفكار للتجمع تحت رافد كبير هو اللغة كمكون أساسي للهوية.
واليوم بعد ثورة 25 يناير نحن مُطالبون بتحديد هوية مصر هل هى مصرية أم عربية أم إسلامية كنقطة ارتكاز للإنطلاق نحو بناء دولة حديثة.
هل مصر عربية؟ هل لأننا نتحدث اللغة العربية نستطيع تصنيف أنفسنا كعرب وأن ننتسب للهوية العربية؟
هناك أكثر من 50 دولة على مستوى العالم اللغة الإنجليزية هى لغة أهلها الرسمية، وأكثر من 50 دولة لسان أهلها الفرنسية، و20 دولة تتحدث الإسبانية، وأكثر من 10 دول تتحدث البرتغالية، هل هذا يعنى أن هوية هذه البلاد واحدة؟ ربما توجد بعض الأشياء المشتركة بينهم إلا أن ذلك لا يعنى أن تجمعهم هوية واحدة.
هناك حوالى 22 دولة تتحدث العربية هل هذه الدول تشبه بعضها؟ ربما يجمع بعضها أجزاء من التاريخ ولكن ذلك لا يعنى أن هويتهم واحدة. فتفكير الناس فى مصر يختلف عن تفكير الناس فى دول المغرب يختلف عن تفكير الناس فى منطقة الخليج و السعودية. اللهجات نفسها تختلف من مكان إلى مكان لو أنك ذهبت إلى المغرب غرباً أو إلى العراق شرقاً لن تستطيع فهم اللهجة هناك إلا بعد فترة من تعلم مصطلحاتها.
وهذا ليس مقتصراً فقط على اللغة العربية بل إن الإنجليزية نفسها تختلف من مكان إلى مكان فتجد الإنجليزية البريطانية British English والإنجليزية الأمريكية American English وتجد لكنة إنجلترا تختلف عن لكنة اسكتلندا التى تقع على حدودها.
هل هناك دولة من الدول المتحدثة بالإنجليزية تُسمى نفسها كندا الإنجليزية أو أستراليا الإنجليزية أو نيجيريا الإنجليزية؟ لا فكل دولة تعتز بهويتها لأن اللغة ليست هوية.
نخلص من هذا بأن اللغة ليست الهوية وأن من يُحاول أن يُمرر لنا الهوية واللغة كمصطلحان مترادفان لبعضهما هو مخطئ يتّسم حكمه بقصر النظر.
هل هوية مصر إسلامية؟ هل يكفى لأن 90 فى المئة من سكان مصر يدينون بالإسلام “على أوراق البطاقة” أن نقول أن هوية مصر إسلامية؟ هل التسعون فى المئة فكرهم واحد؟ هل ينظرون للدين نظرة واحدة؟
التسعون فى المئة مقسمون إلى نسبة كبيرة ينتمون للدين فقط على البطاقة نظراً لإنشغالهم بمتاعب الحياة، ونسبة من الصوفيين الذين لا تشغلهم هموم الدنيا ونسبة من السلفيين والإخوان أصحاب الفكر المتطرف الذين يحاربون الهوية المصرية و نسبة من الليبراليين والعلمانيين والاشتراكيين الذين يحاولون الوقوف أمام المتطرفين لمنع طمس الهوية المصرية ونسبة من الملحدين الذين تركوا الإسلام”أغلبهم ترك الإسلام بسبب تصرفات المتطرفين”. هل جميع هؤلاء مشتركون فى النظرة للدين؟! المؤكد أن أغلبهم مشتركون فى حب الوطن، الطبيعي أن تجمعهم الهوية المصرية لا الهوية الإسلامية كما يروج البعض.
ديانة أكثر سكان أوروبا المسيحية هل هذا يكفي لنقول أن هوية أوروبا هى المسيحية؟ هل نستطيع أن نقول أن هوية إنجلترا أو فرنسا أو ألمانيا هى المسيحية؟
لقد انتهى عصر الدولة الدينية فى العالم كله منذ زمن وظهرت لنا الدولة التى لا تجبر الناس على اتباع دين معين ولا عقيدة معينة والتى تكفل حرية الاعتقاد للناس وتقع الدولة على نفس المسافة من كل مواطن بصرف النظر على ديانته أو اعتقاداته.
هل إسلام مصر كإسلام السعودية كإسلام بن لادن وطالبان وباكستان كإسلام ماليزيا؟!
و النتيجة لظلم مصر بزعم أسلمة هويتها ضياع هوية الوطن وتحولها لما يشبه المسخ الغير واضح المعالم خاصة ما ظهر لنا على يد جماعات كالإخوان و السلفيون الذين يضعون الانتماء للدين في صدام مع الإنتماء للوطن ومع احترامي للدين فإن الإنتماء للوطن هو الأصل و الطبيعي لأن الوطن هو المسؤول عن حمايتك و ليس الدين. فتجد هؤلاء يرفعون أعلام السعودية فى ميدان التحرير فى تحول خطير فى تاريخ الوطن وهويته وهو رفع من يحملون اسم هذا الوطن لأعلام دولة أُخرى كرمز للهوية الإسلامية! ثم رفضهم التدخل للضغط على السعودية حتى تُفرج عن أكثر من 1000 معتقل مصري فى السجون هناك بدون أى تهمة أو تحقيق معهم بحجة أننا نسعى إلى تحسين علاقاتنا مع الدول العربية والإسلامية! أى امتهان هذا وأى ضياع للكرامة هذا الذي وصلنا إليه! ولصالح من يعمل هؤلاء! هل هؤلاء حقاً يعملون من أجل هذا الوطن!
لو أنك مواطناً بريطانياً وتعرضت للإعتقال في دولة إسلامية كإيران فستدافع عنك بريطانيا بإعتبارك مواطن بريطاني ضد دولة إسلامية انتهكت حقوق مواطن بريطاني. أيها الحالمون الذين يعيشون في أوهام دولة الخلافة أفيقوا انتهي عصر الخلافة منذ زمن بعيد و نحن نعيش اليوم في عصر المصالح المشتركة.
لو أن مواطنا أمريكيا تعرض للأذي في بريطانيا ستدافع عنه أمريكا حتي لو اضطرت للحرب فحامل جواز السفر الأمريكي في حماية جيش الولايات المتحدة الأمريكية فوق أي أرض وتحت أي سماء.
ماذا لو أن دولة عربية من الدول المحيطة بنا اعتدت على حدود مصر؟ هل سنكتفى بالحديث عن العروبة و الإسلام ونتركهم يعتدون على بلادنا؟
فى كل الدول العربية خاصة فى دول الخليج و السعودية المصريون يعاملون أسوأ معاملة ولو أنك فتحت جريدة من الجرائد هناك لن تجد ألفاظ “الإخوة”، “الأشقاء”، “الوحدة” وغيرها من الألفاظ التى تُروج لها صُحفنا منذ المشروع العروبى الذى تبناه عبد الناصر وأثبت فشله الذريع، بل ستجد لفظاً واحداً هو “الأجانب”. عندما تطأ قدماكَ أى مطار فى هذه الدول ستجد منطقة مكتوب عليها “لدخول مواطنى دول الاتحاد الخليجى”، وأخرى مكتوب عليها “للأجانب”. أيها الواقعون تحت تأثير أوهام العروبة و الإسلام أفيقوا من هذه الخدعة فكم من المصريين أُهينوا وكم من المرات التى أُنتهكت فيها كرامة مصر بسبب هذا الكلام الذي أضر بوطننا كثيراً و بكرامتنا!
أنا لا أدعو إلى الدخول فى عداء أو حرب مع أحد، إنما أدعو لبناء علاقات مع أى دولة فى العالم قائمة على المصلحة لا على أوهام العروبة والإسلام التى أُنتهكت حرمات وطننا باسمها كثيراً.
إننا نظلم مصر عندما نقول إن هويتها عربية أو إسلامية فهوية مصر هى تاريخها الذى بدأ معه كتابة التاريخ فى العالم فهنا كانت أقدم وأعظم حضارة عرفها العالم، هوية مصر مصرية كيف نضع هوية مصر التى بدأت منذ أكثر من 7000 آلاف عام فى مقارنة مع هوية بدو و صحراويين ظهرت بلدانهم منذ بضع عقود؟!
أليس من الظلم أن نتخلى عن هوية وطننا و نستبدل هويته بهوية الذقن و النقاب و اللحية، بهوية الفكر الوهابى البدوى الذي يُعادى الفكر و الثقافة و الحرية و التقدم؟!
هل المصريون فى ثقافتهم وحضارتهم وفكرهم وعاداتهم وتقاليدهم يشبهون الخليجيين أو السعوديين أو المغاربة؟!
سنظل متأخرين حتى لو أتينا بنبى يحكمنا، حتى لو حكمنا أكثر الحكام فى العالم إصلاحاً، طالما ظل تفكير المصريين بهذا العقم، طالما ظلوا يبحثون عن وهم الهوية الإسلامية والهوية العربية وهذا السراب. شعارنا يجب أن يكون “مصر أولاً وأخيراً”. لا سبيل لنا نحو التقدم إلا ببناء دولة ديموقراطية مدنية حديثة هويتها مصرية خالصة.
ارفعوا علم مصر فقط و افتخروا بمصركم فقط فأنتم نسل أجدادكم الذين شيدوا أعظم و أقدم الحضارات.
جميع حقوق النشر محفوظة للكاتب و للمدونة، أرجو فى حالة النقل التنويه إلى إسم الكاتب و المدونة.
—————————————————————————–
(4)
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=1025177&eid=7785
مصر والبحث عن هوية جديدة
المصدر: الديمقراطية
بقلم: د. عبدالعليم محمد
في تاريخ المجتمعات عامة، يرتبط ظهور سؤال الهوية بالتحديات التي تواجهها هذه المجتمعات، سواء كانت هذه التحديات خارجية أو داخلية، كما يرتبط أيضاً بمراحل التحول والانتقال التي يترتب عليها انقطاع في السياسات، وتشكل أنظمة سياسية جديدة، وبلورة اتجاهات وتوجهات سياسية مغايرة، تمثل انقطاعاً بدرجة ما مع ما سبقها من توجهات، واستلهاما لبعض التوجهات القديمة في ضوء ظروف ومعطيات مختلفة. ونحن لن نقدم علي تعريف الهوية، ولن نغامر بإعادة تعريفها، ونكتفي بما قاله الفيلسوف والحكيم اليوناني القديم والشهير سقراط “أعرف نفسك بنفسك”، وذلك لسببين: أولهما، أن المفاهيم والتعريفات في العلوم الإنسانية والاجتماعية ليست قاطعة أو جامعة مانعة، بل هي نسبية وتختلف باختلاف الأطر الفكرية والنظرية التي تتصدي لهذه المهمة، أما السبب الثاني فهو أن مبحث الهوية مبحث معقد ومتشعب ذو طبيعة نفسية وفلسفية مركبة. وإذا ما نظرنا إلي الهوية في ارتباطها بالثقافة والتاريخ فإن الهوية الوطنية تُبني ويُعاد بناؤها، وتُعرف ويُعاد تعريفها وتفسيرها عبر التجليات الظاهرية والمضمرة التي تتناقلها الأجيال عبر العصور، وتحمل هذه التجليات التقاليد الثقافية والصورة الذاتية عن الجماعة، وصورة الآخرين لديها من خلال ما يمكن تسميته “بالشفرة”، التي يفهمها الناس ويتناقلونها في إطار الجماعة القومية.
ومع ذلك فإنه يمكن القول إن الهوية هي ما يميز شخصا عن آخر إذا ما تحدثنا عن الهوية الفردية، وأنها ما يميز جماعة عن أخري إذا ما تحدثنا عن الهوية الجماعية، وثمة من الدلائل والاستدلالات التي تؤكد أنه لا يوجد شخصان متطابقان تمام التطابق حتي لو تم ذلك عن طريق الاستنساخ، وربما أمكن القول بناءاً علي ذلك وقياسا عليه، بأنه لا تتطابق جماعة مع أخري تمام الانطباق، حيث أن كل جماعة ستختلف في كثير من معالمها وخصائصها عن الجماعة الأخري، حتي لو انتمت هاتان الجماعتان لديانة واحدة أو اشتركت كلاهما مع الأخري في العديد من القواسم المشتركة.
ومن المؤكد أن هوية مصر عميقة بعمق تاريخها ومركبة بحكم هذا التاريخ ذاته الذي يضرب بجذوره في أعماق الضمير الإنساني وفجر التاريخ، وكثيرة هي الطبقات التي تدخل تلافيف وتراكيب هذه الهوية بالمعني التاريخي والثقافي، فمصر فرعونية وإغريقية ورومانية وقبطية وإسلامية ومتوسطية، وهوية مصر هي كل ذلك مجتمعا في نسيج واحد، في سبيكة حضارية متماسكة ومتآلفة وغير متنافرة، وتكن مصر وضميرها وروحها تقديرا كبيرا لتلك الوجوه المختلفة والمتشعبة في آن معا، بيد أن القول بذلك لا يعني بالضرورة أن كافة هذه المكونات حاضرة وبنفس القوة في هوية مصر، ولكنها حاضرة بدرجات متفاوتة وبرز فيها علي وجه خاص وبحكم الحاضر وجهها الإسلامي والقبطي بينما تبقي بقية الوجوه المختلفة حاضرة في عمق التاريخ المصري، وفي خلفية الهوية المصرية حتي لو كانت بعض هذه الوجوه ذات حضور متحفي أو فولكلوري. ولكنها ليست غائبة في عمق الوعي وتركيب الإنسان المصري وسلوكياته وتقاليده وبعض طقوس الحياة.
ولا شك أن السؤال المتعلق بهوية مصر، الذي أعقب نجاح الثورة المصرية، ثورة 25 يناير العظيمة، ليس جديدا كما قد يتبادر إلي أذهان الكثيرين، وربما يكمن الجديد في طرح هذا السؤال في المناخ السياسي الذي أعقب الثورة المصرية، والذي فتح الباب أمام تشكل نظام جديد ديمقراطي، يحترم حقوق المواطن والمساواة ودولة القانون ونبذ واستبعاد التسلط والإقصاء وحكم الفرد لصالح بناء مؤسسات ديمقراطية جديدة تدعم وتصون حق الانتخاب والاقتراع الحر دون تزوير أو تزييف لإرادة الناخبين، يضاف إلي ذلك أن الجديد في طرح هذا السؤال المتعلق بالهوية يرتبط بأن بدايات تشكل النظام الجديد في مصر قد أفضت إلي ظهور قوة الإسلام السياسي، المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين والحزب الذي قامت بتشكيله عقب الثورة، وهو حزب الحرية والعدالة، وكذلك التيار السلفي ممثلاً في حزب النور، وحصول هاتين الجماعتين، وهذين الحزبين علي أغلبية مقاعد مجلسي الشعب والشوري في انتخابات تشريعية، شابها الكثير من الأخطاء والممارسات السيئة، لكن هذه الأخطاء وتلك الممارسات لم تصل إلي حد إلحاق تهمة افتقاد الشرعية والنزاهة والتشكيك في نتائجها.
– هوية مصر. جدل تاريخي:
الجدل حول هوية مصر ليس جديداً، فهو مثار منذ ثلاثينيات القرن العشرين، خاصة بعد الجدل الذي أثاره الراحل الدكتور طه حسين في كتابه حول “مستقبل الثقافة في مصر” عام 1938 في عشرينيات القرن العشرين، والذي انتهي فيه إلي أن مصر بتاريخها وجغرافيتها وثقافتها أقرب إلي الثقافة المتوسطية، أي ثقافة حوض المتوسط، استنادا إلي التبادل الثقافي والتاريخي بين ضفتي المتوسط، وبصفة خاصة تأثير عقائد المصريين القدماء في اليونان وتأثير الفلسفة اليونانية في مصر وغيرها من دول حوض البحر المتوسط.
وأُعيد الجدل بقوة بشأن هوية مصر في مرحلة صعود وتبلور الناصرية بعد ثورة 23 يوليو 1952 وتصدر الهوية القومية العربية المشهد السياسي ليس فحسب في مصر وحدها، بل في العالم العربي أجمع، وقد مثل ذلك انقطاعا بدرجة ما واختلافا بدرجة أكبر مع التوجهات التي سبقت قيام حركة الضباط الأحرار بانقلابهم الذي تحول لثورة فيما بعد، عبر تدعيم وبلورة المضمون الاجتماعي والاقتصادي لتوجهات ثورة يوليو، والتقدم صوب الاستقلال عن الغرب ودعم التوجه الوحدوي والقومي العربي. لقد غلّبت ثورة يوليو البعد العربي لمصر في تكوين وبلورة هوية مصر، استنادا إلي تلك العوامل التاريخية والجغرافية والثقافية واللغوية، التي تربط بين مصر والعالم العربي، فضلا عن التجربة التاريخية المشتركة لمصر والعالم العربي مع الاستعمار الغربي الأوروبي وإسرائيل.
وبالمثل أثير ذات السؤال المتعلق بهوية مصر بعد رحيل عبدالناصر وقبله نكسة عام 1967 التي اعتبرت آنذاك هزيمة للمشروع الناصري وتوجهاته القومية والوحدوية. بعد النكسة بصفة خاصة ظهر علي الساحات الفكرية والسياسية محاولات عديدة لتفسير كيف ولماذا حدثت النكسة؟ وتنوعت الرؤي التي عالجت هذا الموضوع، بين قائل بأن الدولة القومية لم تحترم المواطن وحقه في المشاركة، ومن ثم فإنه لم يكن بمقدورنا الانتصار دون مواطن مسؤول ومشارك لا يكتفي فحسب بدور المتلقي والمستقبل، وأننا بالغنا في تقدير قوتنا، وهوَّنا من قوة الخصم، ولم نمتلك رؤية واستراتيجية عقلانية وموضوعية للمواجهة، ولذلك لم يكتب لنا الانتصار، وبين آخرين، وهم كثر، فسروا النكسة تفسيرا دينيا علي أساس أن الدولة القومية والأيديولوجية العلمانية التي حكمت بها استبعدت الدين من المجال العام، وابتعدت عن الله وخاصمت الإسلام، وكان من الطبيعي أن تنتهي تلك النظم إلي ما انتهت إليه، وأن الطريق إلي تجنب حدوث ذلك هو بعث الإيمان والعودة إلي الدين والأصول.
وربما رأت النظم السياسية الحاكمة آنذاك أنه لا بأس في شيوع وانتشار تلك الرؤية الدينية لتفسير النكسة، باعتبار أنها تخفف من مسؤوليتها أمام هذا الحدث الجليل والخطر، أي النكسة وأن تلك الرؤية تفيد في استمرار هذه النظم واستمرار حكمها، وذلك نظرا لأن هذه الرؤية قد تغًّيب الأسباب الحقيقية للنكسة وتمنحها طابعا يعلو بها فوق النقد والمساءلة، ويهدر المسؤولية عن وقوع النكسة ويبرئ ساحة المسؤولين عنها من تحمل تبعاتها.
وبصعود الرئيس الراحل أنور السادات في مناخ ما بعد النكسة أفرد ركنا كبيرا من خطابه ومن ممارساته للدين والإيمان، ومع تبلور توجهات نظامه السياسية والاقتصادية، والتي وضح للكثيرين أنها تمثل انقطاعا مع توجهات نظام عبدالناصر، لجأ السادات للقوي الإسلامية طلبا لعونهم في مواجهة القوي الناصرية والوطنية واليسارية بالذات في الجامعات والصحافة والإعلام. ومع استقرار الحكم للسادات وتخلصه من معاوني ومؤيدي عبدالناصر بالطريقة المعروفة توجه إلي قضية السلام مع إسرائيل بعد حرب أكتوبر عام 1973، وتمكن من عقد اتفاقيات فض الاشتباك الأولي والثانية 1974، 1975 وبعد ذلك بعامين أعلن أنه علي استعداد للذهاب إلي أقصي مكان في الأرض أو إلي القدس من أجل السلام، وقام بما أسمي آنذاك بزيارة القدس في نوفمبر 1977 وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 ثم معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1979. وبدت تلك الخطوات كما لو كانت انقلابا علي سياسة عبدالناصر العربية خاصة وأن هذه الخطوات قد ارتكزت علي مقولات وفرضيات تقلص إنتماء مصر العربي وتركز علي أولوية المصالح الوطنية المصرية وتنتقد وتشكك في الدور العربي لمصر. صاحب هذه السياسة العودة الثقافية والفكرية مجددا لهوية مصر وما إذا كانت عربية أو متوسطية أو فرعونية، وتطرق هذا النقاش الكبير إلي موقع سياسات السادات من انتماءات مصر وهويتها، وتطرق البعض لتأكيد هوية مصر العربية، كما أكد البعض الآخر تعدد انتماءات وطبقات الهوية المصرية، وغلبة بعض أوجه هذا الانتماء في مراحل معينة علي حساب الأوجه الأخري وفقا للسياسات والتوجهات العليا للحكم.
أما علي الصعيد الخارجي فقد أفضي انهيار جدار برلين وانهيار القطبية الثنائية في نهاية الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وتفكك الهويات والكيانات الكبري مثل الاتحاد السوفيتي السابق والاتحاد اليوغوسلافي إلي دول مختلفة وقوميات وعرقيات مختلفة علي ضوء التمايز الديني والثقافي والعرقي، أفضي ذلك إلي الظهور المتجدد لقضية الهوية والانتماء، وقد عزز من ذلك ظهور العولمة استنادا إلي ثورة الاتصالات والبث المباشر وثورة المعلومات، وقد انطوت العولمة في جانب آخر ارتبط ببعث البحث عن الخصوصيات والهويات الوطنية والمحلية لجماعات بشرية وقومية ودينية تخشي فقدان هوياتها لصالح هويات أخري، وتخشي ذوبان ثقافاتها في ثقافات أخري وافدة، خاصة وأن العولمة كظاهرة ارتبط وجودها بالغرب وبدت أحادية طاغية لا تعبأ بهويات وثقافات الآخرين، وأظهرت وفق أنصار مناهضيها من الجماعات وأنصار حقوق الإنسان والفقراء والتنوع وجها لا إنسانيا متوحشا، يرفض التنوع والتعدد ويمارس نوعا من القسر والإكراه، والخضوع بسبب وجود مصالح كبري اقتصادية عابرة للحدود والقارات تتمركز في البلدان التي أفضي تطورها الاقتصادي والعلمي والسياسي والثقافي إلي إنتاج العولمة. والحال أن الهوية أو الهويات المختلفة معنية بما تحمله العولمة من مخاطر إذا ما كانت العولمة تستهدف توحيد الثقافة وتنميط الحياة ولا تقيم وزنا واعتبارا للتنوع الإنساني والبشري والمساواة بين الثقافات كما يذهب إلي ذلك مناهضو العولمة عبر العالم.
– سؤال الهوية في مصر بعد ثورة 25 يناير:
لا تكون الثورة ممكنة في أي مجتمع، إلا إذا توافرت بعض الشروط، علي رأسها وفي مقدمتها تغير ثقافي يمهد للثورة ويتلخص مضمونه في نقد القيم السائدة التي روج لها النظام القائم، والتي تبرر استمراره وإعادة إنتاجه مجددا، كالخضوع والاستسلام والرضا بما حكمت به المقادير، واعتبار الأمر الواقع معطي طبيعي وأحد سنن الحياة، وليس معطي اجتماعياً يمكن تغييره والثورة عليه، أما الشرط الآخر فيتمثل في وجود “حالة ثورية” تسمح بالتمرد والثورة علي النظام القديم، وهذه الحالة الثورية لا توجد هكذا فجأة أو مرة واحدة، بل هي صيرورة تجمع التراكمات والإحباطات والاحتجاجات الجزئية والكلية وتمهد إلي الثورة علي النظام القديم.
بيد أن الثورة وإن كانت بحاجة لتغيير ثقافي قيمي يمهد لها الطريق، عبر نقد القيم السائدة، وفتح الطريق لقيم جديدة تواكب الثورة وتمهد لها، فإنه بوقوع الثورة يتدعم موقف هذه القيم الجديدة، وتتجذر أكثر من ذي قبل، ويستبطنها الثوار والمواطنون علي حد سواء لتحقيق أهداف الثورة ومواجهة بقايا النظام القديم. وتفضي الثورة إلي تغيير ثقافي قيمي ينتقل تدريجيا من الفئات والشرائح المتقدمة والمدنية التي شاركت وبادرت بالفعل الثوري، إلي بقية شرائح المجتمع وطبقاته، بيد أن هذا التفسير يقتصر علي إحدي طبقات الوعي السياسي أو الثقافة السياسية السائدة، والتي كرسها النظام القديم، والتي تأخذ في التغير تدريجيا وفق وتيرة وعمق العمل الثوري، ودرجة نجاح الثورة في تغيير النظام القديم والثقافة التي تسوغه.
ومع ذلك فإن الهوية بمعناها الشامل والعميق والمركب تبدو أكثر رسوخا وتجذرا في الوعي والوجدان والسلوك، وأبعد غورا من نمط الثقافة السياسية السائدة وقيمها، فالهوية ذات عمق تاريخي مركب رافق الجماعة المصرية عبر مراحل تطورها المختلفة، ومن ثم فإن الثورة وأهدافها قد لا تبدو معنية بالهوية بقدر ما هي معنية بتغيير النظام القائم وتحقيق الأهداف المعلنة من قبل الثوار والشعب، غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أن الثورة لا تؤثر في الهوية، بل يعني أن ثمة تأثيراً للثورات في عناصر معينة من الهوية كتأكيد الذات الجماعية والثقة الفردية والجماعية في الذات، وإضافة معالم جديدة لصورة الجماعة عن ذاتها وصورتها لدي الآخرين.
1ـ الإسلام السياسي وهوية مصر
لقد أعقب نجاح الثورة المصرية ظهور الإسلام السياسي بصوره وجماعاته المختلفة “الإخوان المسلمون” و”السلفيون” و”الجماعة الإسلامية”، وغيرها كأكبر قوة مؤثرة في مجري الأحداث والتداعيات بعد الثورة، سواء من زاوية القدرة التنظيمية والحزبية، والقدرة علي الحشد والتعبئة والانضباط التنظيمي والاصطفاف خلف القيادة الدينية والسياسية، وكسبت هذه القوي معركة الانتخابات أولا قبل وضع الدستور في استفتاء 19 مارس 2011، وبعدها بعدة شهور دخلت الانتخابات البرلمانية بجولاتها المختلفة لمجلسي الشعب والشوري وحصلت علي أغلبية غير مسبوقة، وبعد ذلك حملت في الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية، مرشح حزب الحرية والعدالة، وهو الذراع السياسية لجماعة الإخوان علي رأس الفائزين المرشحين لجولة الإعادة في هذه الانتخابات.
وما إن ظهر تيار الإسلام السياسي حتي أعيد طرح السؤال مجددا حول هوية مصر، وحمل خطاب الإسلام السياسي طابعا هوياتيا واضحا، إذ أكد علي ضرورة استعادة مصر لهويتها الإسلامية، واستعادة طابع الدولة الإسلامي، واكتسب الاحتكام للشريعة والحكم بالشريعة طابعا مغايرا وكليا، فلم يعد يقنع أصحاب هذا التيار بالحكم وفق مبادئ الشريعة أو اعتبار مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، بل استبدل ذلك بالشريعة والحكم وفق أحكامها وليس مقاصدها ومبادئها. وقد عول هذا الخطاب الجديد للهوية المصرية – الإسلامية علي بعض العناصر الأساسية المترابطة في خطاب الهوية:
أولها، أن مصر في هذا الخطاب دولة إسلامية وهي جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، وهذه الأخيرة تحظي بفرادة لا تتوافر لغيرها من الأمم، فهي أمة فريدة في تاريخها وحضارتها وأصولها، وسلامة هذه الأمة في العودة لأصولها وسيرتها الأولي وماضيها الإسلامي الفريد، فالأمة الإسلامية في هذا الخطاب فقدت مكانتها ودورها وريادتها بتخليها عن الأصول وجريها وراء المستحدث والحداثة والتحديث، والعلاج يتمثل في مجرد العودة للماضي وتاريخ السلف الصالح وتطبيق الشريعة والحكم بما أنزل الله.
أما العنصر الثاني في هذا الخطاب فيتركز حول الآخر أو الغير، ذلك أن الهوية أية هوية تتحدد في مواجهة الآخر والغير “الهو” لتأكيد الذات والأنا، فالآخر في هذا الخطاب يضمر الشر للأمة الإسلامية ويحيك المؤامرات ضدها، ويريد تدميرها وانتزاعها من جذورها، بمفاسده الوافدة وحداثته غير الأخلاقية، كما فعل إبان العهد الاستعماري، وكما يفعل الآن عبر العولمة وأدوات السيطرة المالية والاقتصادية والسياسية. وفي مواجهة الآخر المختلف “الغرب” ينبغي التحوط والحذر والعودة إلي التراث والسلف والماضي، وتبني أنماط للحياة مستمدة من ثقافتنا وذاتنا، وتراعي خصوصيتنا وتميزنا واختلافنا، ففي هذه الخصوصية وهذا التمايز تكمن الذات الحضارية للأمة.
أما العنصر الثالث في هذا الخطاب المتعلق بالهوية الإسلامية لمصر فهو الخصوصية التاريخية لمصر والأمة الإسلامية، فتاريخنا يختلف عن تاريخهم وحضارتنا تختلف عن حضارته، فالحضارة الإسلامية أنتجت الفكر والعلم الذي استفادت منه أوروبا في نهضتها الحديثة، ولم تعرف الحضارة الإسلامية الاستعمار والعنصرية، في حين أن حضارة الغرب أنتجت الظاهرة الاستعمارية والظاهرة العنصرية، ومن ثم وجب علي مصر والمسلمين والعرب مراعاة هذه الخصوصية والمحافظة عليها، والحيلولة دون تذويبها وذوبانها في الكلية الحضارية الغربية، وإبقائها علي مصادر خصوصيتها وتميزها.
2ـ تحديات الهوية الإسلامية لمصر
وبناءً علي ما تقدم فإن خطاب الهوية الجديد يقع في تناقض، ففي الوقت الذي يؤكد علي هوية مصر – الإسلامية بحكم حاضرها وحضورها الإسلامي، فإنه يضع ذلك في منظور استعادة الماضي الإسلامي والدولة الإسلامية والحكم بالشريعة الإسلامية التي طبقت في ظروف تاريخية مختلفة عن الواقع الذي تعيشه كافة المجتمعات اليوم. ومن ناحية أخري، فإن خطاب الهوية الجديد يختزل هوية مصر في أحد طبقاتها وهي الإسلام حتي ولو كان أبرز أوجه الهوية وأكثر عناصرها حضورا، فالهوية المصرية لها جذور في التاريخ لا يمكن إهمالها حتي ولو لم تكن حاضرة بشكل ملموس في الواقع المنظور، وينزع هذا الخطاب عن الهوية المصرية طابعها التركيبي المعقد، بل ويجردها من عمقها التاريخي والحضاري.
ومع ذلك فإن خطاب الهوية الجديد الذي ينزع نحو الذهاب في الماضي، والبحث عن المثال في السلف والدولة الدينية يبحث عن التماهي مع الماضي والأصول، ويعتبر أنه لا يزال ممكنا العودة لتلك الأصول الأولي، والتي بقيت في نظر هذا الخطاب كما هي لم تتأثر، ولم تتغير بتغير الزمان والأحوال، وتبدلهما، ويكفي فقط من وجهة نظر أصحاب هذا الخطاب الكشف عن هذه الأصول وإزالة الصدأ عنها ونفض الأتربة التي علقت بها. وهذا وهم كبير فلم تعد الأصول كما كانت في الماضي، حيث دخلت ومنذ زمن بعيد هو عمر الحداثة والحضارة الغربية في جدل طويل كرها واختيارا، تأويلا وتغييرا، كما دخل معها العرب والمسلمون ذات الجدل، وعندما ننظر الآن لهذه الأصول فإننا ننظر لها من منظور جديد شكلته معارفنا الحديثة “الغربية”، وليس بمقدورنا أن نعزل الغرب ومعارفه عن محاولتنا معرفة هذه الأصول والعودة إليها، فقد تغير كل شئ، ولم يعد الغرب “خارجنا”، بل “داخلنا” في: مأكلنا وملبسنا وحداثتنا ولغاتنا وثقافتنا، وهكذا فالبحث عن الأصول هو استعادة لوهم الأصالة والهوية اللذين لم يتعرضا للتغير.
وإذا كان خطاب الهوية الجديد يعتمد علي المكون الديني الإسلامي في الهوية المصرية، فإن هذا المكون الديني قد لازم المصريين منذ أقدم العصور، وكانت أنظار المصريين متعلقة بالسماء وبالآخرة منذ القدم، بمعني أن هذا المكون لم ينشأ ويتشكل مع دخول الإسلام مصر. بل أضاف الإسلام مكونا آخر وطبقة أخري في الوعي الديني الكوني للمصريين، وبمرور القرون اكتسب الإسلام أهميته في الهوية المصرية. كان الدين في نظر المصريين عبر العصور أداة لمكافحة الظلم ورفع المظالم عن كاهل المظلومين، وأداة للتكافل والتراحم والتضامن، فقد نزع المصريون نحو التدين الوسطي المعتدل غير المتشدد مذهبيا، ورفض المصريون التطرف الديني بكافة أشكاله لأنه يتناقض مع التعايش المشترك والتسامح الذي اكتسبته مصر عبر تاريخها.
وهكذا فإن سؤال الهوية بعد الثورة المصرية وبعد الثورات العربية أمامه طريقان يمكن من خلالهما تلمس عناصر الإجابة: الأول أن يكون مشروع الهوية منفتحا علي المستقبل والحضارة الحديثة والعلم وتطبيقاته، ومن ثم يصبح مشروعا متجددا قادرا علي التأقلم والتكيف والتطور مع العالم الحديث ومنجزاته، أما الطريق الثاني فهو طريق الهوية المغلقة علي ذاتها والتي تقاوم التبدل المحيط بها، وتتجاهله بدعوي الحفاظ علي مكونات الهوية الذاتية المتسامية فوق التاريخ والمتعالية علي الزمان، وهذا الطريق محفوف بالمخاطر ويتناقض مع تاريخ مصر الذي تميز بالانفتاح والجدل والاقتباس والحوار والتعايش المشترك مع العالم والحضارات الأخري.
—————————————————————————–
مصادر:
للمزيد حول هذا الموضوع يمكن الرجوع إلي:
1ـ أمين معلوف: الهويات القاتلة، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الأولي، 2004.
2ـ عزيز العظمة: الأصالة أو سياسة الهروب من الواقع، دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولي، 1992.
3ـ محمد أركون: العلمنة والدين، دار الساقي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1996.
4ـ عبدالعليم محمد: العولمة والهوية، ورقة غير منشورة، 1999.
5ـ سعيد بن سعيد العلوي: الهوية العربية بين الانغلاق والانفتاح، جريدة الشرق الأوسط، 17 مايو 2012.
6ـ تصريحات متباينة حول الهوية لبعض السياسيين والناشطين الإسلاميين منشورة بالصحف المصرية.
اترك تعليقًا